عم (عيّاد) رجل تَخطى الستين من عمره ..
إلى وقت قريب كان هو القارئ الوحيد لما أكتبه .. ولا أكتب مقال إلا وأعرضه عليه .
بالنسبة لي هو صديق في سن والدي وبالنسبة له أنا أبن في مقام صديقه .
تابعت أنا وهو ما يُقدم من بلاغات ضد كل من ينتقد المجلس العسكري تحت مُسمى (إهانة المجلس العسكري والمؤسسة العسكرية) ، ووجدته يقول لي :
- " وَقّف اللي بتكتبه يا بشمهندس "
ضحكتُ من غرابة ما يطلبه وسألته عن السبب ، فهو من طلب مني من قبل أن أنشر ما أكتبه ..
قال لي :
- " أنتا مش شايف الكبار بيتعمل فيهم ايه ؟ أومال الصُغيرين – لا مؤاخذة فدي الكلمة – اللي زيّ حالاتك هيتعمل فيهم ايه ؟ .. على الأقل دول معاهم ويقدروا يتصرّفوا "
أجبته :
- " الموضوع مش مرتبط بالمكانة .. لإن واضح إن فيه حملة لوضع المجلس العسكري في موضع القُدسية .. وهتطُول الكل ، أي حد هينتقد المجلس العسكري هيتقدم فيه بلاغ .. ولو أحنا رضينا بالوضع ده يبقى كده رجعنا زيّ الأول "
قال لي :
- " طب ما أحنا رجعنا فعلاً زيّ الأول هو إيه اللي أتغير في البلد ؟ "
أجبته :
- " ممكن يكون حاجات كتير ما اتغيرتش لكننا نقدر نغيرها بأننا ما نسكتش .. وما ينفعش نساوم على حقنا في الانتقاد والتظاهر ضد أي سياسة غلط أو ضد أي ظالم "
كنت أُطمئنه وكأنني أُطمئن نفسي .. فأنا فعلا أشعر بالقلق على الوضع الآن .. القمع يصل إلى أي شخص .. ومراقبة الانترنت وما يُنشر أصبحت واضحة جداً للعيان ، عدد من يُحبسون بسبب ما يكتبونه على الانترنت يزداد ..
كان قلقه عليّ كقلق الأب على أبنه .. وكان يعلم أنني لن أصمت .. وإن توقفت عن الكتابة فلن أتوقف عن الحديث ؛ لأن طالما من انتقدهم بشر وفي موضع سلطة فعليهم أن يتحملوا النقد أو يتركوا السلطة لمن يتحمّلون النقد .
ولأنهم يعلمون أنهم فاقدون للشرعية فهم دائماً ما يتخفون وراء المؤسسة العسكرية ليُظهِروا أن من ينتقدهم يُهين الجيش ، ولأن من يُدلي بتصريحات مستفزة من شيوخ ورجال دين يعلم أنه بشر ومُعرض للانتقاد فهو أيضاً يختبئ خلف الدين عندما ينهمر النقد عليه لكي يُظهر منتقده بأنه ينتقد الدين .
ما يحدث الآن يُذكّرنا بما كان يحدث أيام (مبارك) .. فكم من القضايا التي رُفعت من أشخاص يبدو ن وكأنهم غير تابعين له وتبين أنهم يفعلون ذلك بأمر منه أو من رجاله ..
إنها لعبة قديمة وقذرة قد سأمنا منها وإن كانوا من في السلطة يظنون أنهم سيزجون بكل من يتطاول عليهم – بحسب اعتقادهم – في غياهب السجون فلا أظن أنهم سيجدون مكان لملايين الشباب الذين باعوا أرواحهم مُقدماً ثمناً لحرية البلاد .
فليعلم من في السلطة أن الغباء يؤدي إلى الأخطاء .. والأخطاء تُولَد منها الثغرات .. والثغرات تدخل منها الثورات .. فاتقوا شر مَن لا يخاف بشر ولا يخاف إلا الله ، وإن كنتم تظنون أن تكميم الأفواه سيُثبّت الأرض من تحت أقدامكم فأعلموا أنكم أنتم من ستُثبَّتون بالأرض ولن تستطيعوا الفرار من غضبنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق