الثلاثاء، 24 يناير 2017

خلف أسوار الثورة

ها نحن نجتمع أمام ذلك السور كعادة كل عام يا صغيرتي ..
وها هم الثلاث فرق المعتادة تجتمع هنا لتتذكر يوماً مرت فيه من هذا الطريق رافعةً صوتها ورأسها ..  حينها لم يكن هذا السور قد تم بنائه .
هل تريدين معرفة كنههم ؟ هل هذا ضروري ؟ لا بأس .. 
أترين هؤلاء ؟  إنهم من تأكدوا من أن الثورة لم تتمخض سوى ذكريات ومبادئ ووجوه فقدوها قتلاً أو سجناً سواء في أحداثها أو في ذكراها في كل عام ..
الثورة لم تحقق لهم إلا معرفة المرابطين على المبادئ والوصوليين والباحثين عن المصالح الشخصية ..
هؤلاء يا بنيّتي لم يربحوا من الثورة سوى عاهات مستديمة أو ملاحقات أمنية مستديمة أيضاً .
هل أكتفيتي أم أعرّفكِ على الفريق الآخر؟ .. حسناً ..
أولئك من كفروا بها لما نتج عنها من سلبيات مجتمعية وثقافة فوضوية أنتهجها أغلب الشعب ، متناسيين أن أخر من يضرب بالمطرقة على القفل ليكسره ليس لضربته الفضل في فضّه .. ناهيكي طبعاً عن إيمانهم المطلق من أن الواقع السياسي البائس والمظلم الذي نعيشه حالياً هو نتيجة لإندلاعها ، وكأننا كنا في المراتب الأولى عالمياً في مكانات أخرى سوى الفساد والفقر والتحرش ..
أولئك كانت خيبة أمالهم منها كبيرة لأن أحلامهم المنتظرة التحقيق منها كانت أكبر .. فلا تندهشين يا طفلتي العزيزة عندما يخبرونكي أنها حلم أضحى كابوساً .
أما الفريق الأخير يا غاليتي فينتظر مع اقتراب ذكراها (بشاير يناير) ليمنّي نفسه بإحتمالية أن يعيد التاريخ أحداثه بنفس التفاصيل ونفس السيناريو ، وما إن يمر اليوم دون حدوث أي شيء يُذكر حتى ينتظر إلى العام المقبل .. ناسياً - أو متناسياً - أن الظروف قد تغيّرت وأن قابلية الشعب للتغيير السياسي قد قاربت على التلاشي وأن النظام الحالي قد تعلم كل الدروس الأمنية - فقط - التي أخفق فيها نظام مبارك ، كما أن شرعيته مازالت راسخة طالما ظل الإرهاب موجود .
ها نحن نجتمع أمام السور كعادة كل عام يا صغيرتي .. وكالعادة - أيضاً - لا نملك سوى النحيب ..
فالمتمسك بإيمانه بها ينحب لذكراها الحبيبة إلى نفسه ومن أجل من وما فقده .. والمرتد عن الإيمان بها ينحب لما آل إليه الوطن بسبب الفشل في تحقيق أهدافها .. ومن ينتظر إستكمالها ينحب عندما يكتشف أن الأعوام تمر بدون أن يحدث أي شيء .
لا أخفي عليكي أن بداخلي شخص من كل فرقة منهم ..
فأنا الفخور بها عندما يأتي ذِكرها .. وأنا من يكفر بها أحياناً عندما يضيق صدري بما نعيش فيه .. وأنا من يتمنى أن يعيش أجوائها مرة أخرى .
ولكن ..
سيظل هذا السور هو أبعد نقطة نستطيع الوصول إليها حالياً ، وسيظل هذا السور مشيداً كدليل على أن الثورة لم تنجح بعد ولكنه دليل أيضاً على أنها مازالت تُرهب من يجلس على عرش النظام .
حان وقت العودة إلى حياتنا المعتادة يا طفلتي .. 
ألا تريدين المغادرة ؟
لا تبكي يا صغيرتي فحتماً سنعود العام القادم فنحن لم نعد نملك سوى ذلك .

 محمد العليمي 
24 يناير 2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق