لم أكن أدري بأنني
بسؤالي هذا قد فتحت على نفسي (فَتوحة) كما يقولون .. وأبواب جهنم كما رأيت ..
كان خطأي أنني (انسحبت)
من لساني وسألته :
"هترشح مين يا
أسطى في انتخابات الرئاسة ؟"
كما توقعت قال لي أسم
أحد المرشحين للرئاسة المحسوبين على النظام القديم فسألته عن السبب في اختياره ..
" من الآخر أنا
عايز رئيس ابن (.......) حرامي يمسك البلد "
اندهشت من إجابته
وسألته مستفسرا :
"طب ممكن تشرح لي
وجهة نظرك .. "
أعتدل في جلسته وقال :
" بص .. أنا عمري
59 سنة من الجيل اللي اتظلم .. دخلت العسكرية وطلعوا عين اللي جابونا مش زي جيش
الأيام دي اللي انتو بتدخلوه...
وشفنا أيام مرار والبلد
دي مش هينصلح حالها غير لما يمسكها رئيس صايع يصلح مؤسساتها ، حتى لو هيسرقنا مش
مشكلة المهم يأكلّنا .. وكبيره 4 سنين وفي الأخر لو ماعملش حاجة للبلد هنعلقه .. عشان كده انا حرشح (فلان الفلاني) "
تعجبت لهذه النظرية
العجيبة وسألته :
"طب إشمعنى هو
تحديدا ؟ "
قال لي :
" أقولك .. أنا
كنت داخل أمبارح قهوة عشان أنفّعها – ( وهنا أدركت أنه لم يقصد بالتنفيع الشرب
طبعا ) – فسألني القهوجي : طب ليه مانرشحش حد من بتوع الثورة ؟ قولتله : ينفع انا
اطلب منك تشغلني على النَصبة بتاعتك ؟ .. قالي : لأ.. قولتله : لييييييييييه ؟ .. قالي : عشان دي مش شغلتك ومش هتفهم فيها ..
قولتله : عليك نووووور .. بتوع الثورة يمكن يفهموا في السياسة بس بعيد عنك حمييير
في الإدارة "
ونظر لي نظرة احتقار
غريبة وسألني :
" يعني مثلا انتا
لامؤاخذة ينفع أنتخبك رئيس؟؟ .. طبعا لأ .. إنما (فلان الفلاني) راجل فاهم هو
حيعمل ايه .. هيديرها صح لأنه خبرة قبل كده .. "
قلت له :
" طب فيه ناس
رأيهم في المرشح ده أنه كان ساكت أيام (مبارك) وعمره ما عارضه ولا فتح بقوه برغم أن موقعه كان يفرض عليه انه لو شاف حاجة غلط لازم يتكلم .."
قال :
" هو مين كان
بيفتح بوقوه اصلا أيام مبارك ؟؟؟ "
أجبته :
" كتير ..عندك مثلا
(علان العلاني) "
قال لي بعصبية شديدة
جدا :
" ده راجل
(.........) أنا ارشح راجل (..........) ؟؟ .. أنا لامؤاخذة اعرفه شخصيا واعرف
تفاصيل انتا ماتعرفهاش ..
ده لامؤاخذة سافر وهو
شاب للعراق وكان بياخد فلوس من (صدام) عشان القومية العربية والكلام دوان .. وإكمنه خريج حقوق فقرب من (صدام) وعرّفه كام
مصطلح قانوني فعجب (صدام) .. وأشتغلّه مرشد يبلغله على المصريين "
قلت له :
" يمكن أنتا قصدك
على حد تاني .. لأن المعلومات دي مش ص.... "
قاطعني بحدة :
" أسمع اللي بقولك
عليه .. أنا عارفه وعارف بلده كويس وماجبتش راجل .. وهما هناك اصلا مابيحبهوش وسقطوه مرتين في البرلمان "
هنا قررت أن أصحح
معلوماته فلقد تخطيت موضوع كلية الحقوق وموضوع (صدام) بمزاجي فيكفي هذا ..
" أزاي مادخلش
البرلمان إذا كان فيه مرة أتقبض عليه وكان نائب .. وكان دايما بيعارض النظام ..
"
قال : " كان
بيعارض نظام مبارك من العراق ولا مرة عارض مبارك وهو في مصر.. "
أمام هذا الإفتاء
المبالغ فيه قررت أن أعود إلى صلب الموضوع ..
" طب نرجع
لموضوعنا .. طب افرض إن مرشحك نجح وعَدّت 4 سنين وماعملش حاجة يبقى إيه الحل ؟ "
أجابني :
" هن(.......) طبعا .. ما انتا شايف عملنا إيه في مبارك بجلالة
قدره مش محتاجة مفهومية يا أساتذة يامتعلمين .. "
قلت :
" طب ويبقى احنا
كسبنا ايه ؟؟ ضيعنا 4 سنين على الفاضي عشان نجرّب واحد عارفين من الأول انه ماينفعش
؟ "
قال لي بغضب شديد :
" ماتبقوش عاملين زي العروسة البايرة اللي
بتتدلل وتتعوج على العرسان .. ايه لو لو لو ؟ انتو تحمدوا ربنا أساسا انه هيرضى
يمسك البلد .. وياريت تنزل هنا انا مش داخل جوا .. اتفضل انزل .. "
نظرت له مندهشا ..
ونزلت من السيارة مصدوما من رد فعله ..
كيف يوصّل التعصب لمرشح
معين إلى تلك الدرجة من تشويه المرشحين الآخرين بل وصب الغضب على من يخالفه الرأي
.. أين هي ثقافة الاختلاف ؟ ومتى سنتعلمها ؟ ..
كان الغرض الوحيد من
سؤالي للسائق عن المرشح الذي سيختاره هو أن أثبت لنفسي خطأ ظني من أن قاعدة (من
نعرفه خير ممن لا نعرف) ستتحكم في اختيار شريحة كبيرة للرئيس القادم ..ومازلت أتمنى حتى تلك اللحظة أن يخيب ظني هذا وأن أرى أناساً تنتخب رئيس بناءاً
على برنامجه وتاريخه ..
ولكن ما يُحزني أكثر ..
أنني سأسير في ذلك الشارع الذي تملئه المياه والذي ركبت التاكسي خصيصا من أجل ألا
أسير فيه .. لذلك فلقد قررت أن أرشح الرئيس الذي يوفق عليه أي سائق (تاكسي) أركب
معه مرة أخرى ..
محمد العليمي