الاثنين، 20 أبريل 2015

عربة ومقهى

أكثر من عامين تقريباً منذ آخر لقاء .. تغير الكثير في البلد ولكن من المؤكد أنه لم يتغيّر .
أزحت عن عقلي ظنون رحيله عن عالمنا متجهاً إلى مقره الدائم .. المقهى ..
باحثاً في الوجوه الشاحبة الممتلئة بخطوط الهموم والكآبة وجدته جالساً ممسكاً بالجريدة وعلى وجهه ابتسامة سخرية وأمامه فنجان القهوة ، وما إن رآني حتى قال لي مبتهجاً :
” كنت مستنيك بقالي سنتين .. أتأخرت ليه ؟ ”
ألقيت بجسدي على المقعد المقابل له ..
” كنت هربان من كل حد وكل حاجة ليها علاقة بالسياسة ، سميه إحباط سميه سلبية بس كنت شايف إن ده الصح ”
قال مبتسماً :
” بس مادام جيت تشوفني يبقا أنتا بطلّت هروب ”
– ” أو يمكن عايز اعرف أكمّل هروب ولا لأ ؟ ”
وضع الجريدة جانباً وسألني :
– ” هو أيه اللي حصل لك في السنتين دول ” ؟
– ” أتجوّزت وهبقا أب .. ثورت واكتأبت وأتحبست وأتصدمت فناس كتير أحترمتها وخسرت ناس كتير عشان ما حبتش أبقا مؤيد أعمى لواحد مسيّب عشيرته علينا عشان يدافعوا عن شرعيته الوهمية اللي عطهاله تلاميذ مبارك أو لواحد دايس راكب حابس قاتل بأسم الإستقرار أو لواحد بيدّعي الثورية وهو كل يوم بينام في سرير النظام بس بيكتفي بالبوس علشان ما يتقلش أنه على علاقة كاملة معاه ”
– ” ما أنتا يا تبقا معاهم يا تبقا مع الناس التانيين .. هو ده حال الناس ما فيش حاجة أتغيّرت عن زمان .. ”
– ” تفتكر يا عم (عيّاد) مين اللي غلط ومين اللي صح ؟ ”
– ” كله فاكر نفسه الفرقة الناجية والباقي في النار .. أنتا فاكر أن الغلطان هيقول أنه غلطان ؟ ”
نظرت إلى وجهه الذي امتلئ بالتجاعيد عن السابق وسألته :
– ” مش ممكن نكون إحنا الغلط وغيرنا هو الصح ؟ نكون إحنا بس بنحب التميّز عن السائد وبنختلف معاهم لمجرد الاختلاف ؟ ”
نظر مطولاً إلى سيارته المركونة أمام المقهى منذ أمد والتي صارت من علامات الشارع وقال :
– ” انتا عارف .. أوقات بقول إن العيب مش في عربيتي .. العيب في إن اللي أنا شغلتهم عليها ما بيراعوش ربنا ولا بيشتغلوا عليها بضمير ، وجربت أنا أشتغل عليها بنفسي لقيت إن الشوارع أتغيّرت والدنيا بقت زحمة قوي وقولت أركنها جنبي أحسن لأني ما أقدرش أبيعها لأنها غالية عليا قوي ، مش مشكلة بقا مين السبب في ركنتها .. المهم إنها مركونة وعليها تراب أكتر من وزنها وما بتتحركش ولو أتحركت عمرها ما هتبقا زيّ الأول ”
رشف من فنجان القهوة وأستطرد :
– ” مشكلتنا إننا كلنا حاولنا نسوق في نفس الوقت واتخانقنا على الدريكسيون ولما لبسنا فحيط قولنا نسلّم مفاتيحها للي هيعرف يصلحها فجَه واحد صلّح شكلها من برة وقولنا له حلال عليك العربية بقا يا سيدنا ، فيه منا اللي صدّق إن العربية اتصلّحت لأ وبقا كمان متأكد إنها قادرة تمشي وفيه اللي مصمم وبيقسم إن العربية خربانة بس باقي الناس مش مصدقينه لأن شكل العربية من برة واهمهم ”
نهض واتجه لسيارته الرابضة ومرر أصابعه على سقفها كأنها طفلة صغيرة ونظر لها وقال :
– ” هيجي اليوم اللي هترجعي فيه أحسن من الأول .. وعد “

محمد العليمي

نشرت في (بوابة يناير)  20 أبريل 2015
http://yanair.net/archives/98863


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق