” الداخلية فيها انتهاكات .. ماحدش قال ما فيهاش .. مين اللي قال ما فيهاش ؟ انا قولت ما فيهاش ؟ لأ فيها .. بس ما ينفعش تعمم ولا ينفع تنتقدها دلوقتي .. إحنا ما صدقنا إنها وقفت على رجليها ”
كان هذا تعليق أحد الإعلاميين على الملف الذي نشرته جريدة (المصري اليوم) بخصوص انتهاكات الداخلية في الفترة الأخير في خطوة رآها البعض سباحة ضد التيار وأن هذا هو الدور الحقيقي للصحافة ورآها البعض الآخر مجرد دعاية لمدى تقبل النظام لحرية التعبير عن الرأي وقبوله لنقد ذراعاً أمنياً له وأن تهديد الداخلية بأنها (مقموصة) وستلجأ للقضاء ما هو إلا استكمالا للحبكة الدرامية ..
وبغض النظر عن السبب الحقيقي وراء نشر هذا الملف فالحقيقة أننا أصبحنا أمام حالة جديدة من منتقدي انتقاد الداخلية الذين يطالبون المعارضين لسياسات الداخلية أن ينتقدوها ولكن بالراحة .. (بشويش) لأن التحريض ضدها نائم لعن الله من أيقظه وانه يجب علينا نقف بجوارها – ولربما تحت أقدامها – لما تواجه من تحديات في الفترة الحالية .
أعترف أن معلوماتي الدينية متواضعة ولكني لم أعلم أن مؤسسة الداخلية الشريفة وصانا عليها الخالق في أي كتاباً سماوياً أو أن قادتها هم من الفقهاء الدينيين الذين يجب ألا نختلف معهم أو نطالب بإعادة النظر فيما كتبوه او قاموا بفعله ، إذا فلماذا يجب أن يكون كل شيء هو خط أحمر – مؤقتاً أو دائماً – أو على الأقل انتقاده (ليس الآن) ؟
الطريف في الأمر أن ما قامت جريدة المصري اليوم بنشره هو معلوم بالضرورة وواضح للعيان ومعروف إعلاميا وملموس في الواقع لكل من ألقاه حظه العثر في الدخول إلى أحد أقسام الشرطة ، فما بالكم لو قررت تلك الجريدة أو غيرها أن تنشر ملف خاص عن الأموال التي يمتلكها بعض قادة الجيش أو الحالة الرثة لبعض معسكرات التجنيد على الحدود أو الأراضي الشاسعة التي تملّكتها القوات المسلحة في أنحاء الجمهورية ؟ أظن أن هذا الملف لن يرى النور أساساً وسيُتهم محرروه أنهم إخوان وحماس وشيعة وأناركيين وخلافه ..
الأمر بمجمله في رأيي هو محاولة لتقليص حدود التعبير عن الرأي في الفترة القادمة أكثر وأكثر دون تدخل مباشر من الدولة ولكن بأسلوب (أصيَع) إن صح التعبير ، وذلك بترسيخ ما يجب أن يقال وألا يقال في أذهان الوعي العام ليصبح المواطنون هم الرقابة عليك أنت لتخشى أن تثير موضوعاً ما حتى لا تثير معه الغضب العام وبذلك يبقى النظام خارج الصورة ويظل ورق حائط حرية التعبير عن الرأي ساتراً لشقوق القمع الفكري المنتشرة على جدران الوطن .
ما يعجبني في النظام الحالي أنه أستطاع أن يستخدم الإعلام الخاص استخداما مختلفاً عما عاهدناه على الأقل ، فعندما أدرك أن الأساليب القديمة للتحكم بالشعب لم تعد تصلح فقرر أن يجتهد باستخدام أساليب أخرى (بتكتب ورايا يا أحمد) ؟ ..
إن جُل ما أخشاه أننا إن صمتنا مرة بعد أخرى سينتهي بنا الأمر لانتقاد السياسات الخاطئة للنظام ومؤسساته سراً ويكون أقصى ما نطمح إليه هو إلصاق ورقة على الحائط مكتوب بها : (هل انتقدت الداخلية اليوم ؟) ..
محمد العليمي
تم نشر المقال بـ (بوابة يناير) - 23 ابريل 2015
http://yanair.net/archives/98947
كان هذا تعليق أحد الإعلاميين على الملف الذي نشرته جريدة (المصري اليوم) بخصوص انتهاكات الداخلية في الفترة الأخير في خطوة رآها البعض سباحة ضد التيار وأن هذا هو الدور الحقيقي للصحافة ورآها البعض الآخر مجرد دعاية لمدى تقبل النظام لحرية التعبير عن الرأي وقبوله لنقد ذراعاً أمنياً له وأن تهديد الداخلية بأنها (مقموصة) وستلجأ للقضاء ما هو إلا استكمالا للحبكة الدرامية ..
وبغض النظر عن السبب الحقيقي وراء نشر هذا الملف فالحقيقة أننا أصبحنا أمام حالة جديدة من منتقدي انتقاد الداخلية الذين يطالبون المعارضين لسياسات الداخلية أن ينتقدوها ولكن بالراحة .. (بشويش) لأن التحريض ضدها نائم لعن الله من أيقظه وانه يجب علينا نقف بجوارها – ولربما تحت أقدامها – لما تواجه من تحديات في الفترة الحالية .
أعترف أن معلوماتي الدينية متواضعة ولكني لم أعلم أن مؤسسة الداخلية الشريفة وصانا عليها الخالق في أي كتاباً سماوياً أو أن قادتها هم من الفقهاء الدينيين الذين يجب ألا نختلف معهم أو نطالب بإعادة النظر فيما كتبوه او قاموا بفعله ، إذا فلماذا يجب أن يكون كل شيء هو خط أحمر – مؤقتاً أو دائماً – أو على الأقل انتقاده (ليس الآن) ؟
الطريف في الأمر أن ما قامت جريدة المصري اليوم بنشره هو معلوم بالضرورة وواضح للعيان ومعروف إعلاميا وملموس في الواقع لكل من ألقاه حظه العثر في الدخول إلى أحد أقسام الشرطة ، فما بالكم لو قررت تلك الجريدة أو غيرها أن تنشر ملف خاص عن الأموال التي يمتلكها بعض قادة الجيش أو الحالة الرثة لبعض معسكرات التجنيد على الحدود أو الأراضي الشاسعة التي تملّكتها القوات المسلحة في أنحاء الجمهورية ؟ أظن أن هذا الملف لن يرى النور أساساً وسيُتهم محرروه أنهم إخوان وحماس وشيعة وأناركيين وخلافه ..
الأمر بمجمله في رأيي هو محاولة لتقليص حدود التعبير عن الرأي في الفترة القادمة أكثر وأكثر دون تدخل مباشر من الدولة ولكن بأسلوب (أصيَع) إن صح التعبير ، وذلك بترسيخ ما يجب أن يقال وألا يقال في أذهان الوعي العام ليصبح المواطنون هم الرقابة عليك أنت لتخشى أن تثير موضوعاً ما حتى لا تثير معه الغضب العام وبذلك يبقى النظام خارج الصورة ويظل ورق حائط حرية التعبير عن الرأي ساتراً لشقوق القمع الفكري المنتشرة على جدران الوطن .
ما يعجبني في النظام الحالي أنه أستطاع أن يستخدم الإعلام الخاص استخداما مختلفاً عما عاهدناه على الأقل ، فعندما أدرك أن الأساليب القديمة للتحكم بالشعب لم تعد تصلح فقرر أن يجتهد باستخدام أساليب أخرى (بتكتب ورايا يا أحمد) ؟ ..
إن جُل ما أخشاه أننا إن صمتنا مرة بعد أخرى سينتهي بنا الأمر لانتقاد السياسات الخاطئة للنظام ومؤسساته سراً ويكون أقصى ما نطمح إليه هو إلصاق ورقة على الحائط مكتوب بها : (هل انتقدت الداخلية اليوم ؟) ..
محمد العليمي
تم نشر المقال بـ (بوابة يناير) - 23 ابريل 2015
http://yanair.net/archives/98947