الثلاثاء، 2 يوليو 2013

نيران صديقي.. (مستوحاة من أحداث إشتباكات سيدي جابر 28-6-2013)

إنه يوم الجمعة ..
تلك الطقوس المعتادة ..
اغتسال .. صلاة .. غداء ..
ولكنها أول جمعة لي كمتزوج .
لا أرد عادة على أي اتصال منذ ليلة الدُخلة ولكن هذا الرقم يجب أن أجيب عليه ..
" ستكون معنا اليوم لكي نُعلّم هؤلاء الكلاب الأدب "
لا أملك الرفض .. فلولا مساعدتهم لما استطعت أن أتزوج ممن أحب .
ارتديت ملابسي وذهبت إليهم في التاسعة صباحاً ..
" سنتجه إلى المقر العام لنُلقن هؤلاء البلطجية درساً لن ينسوه وليعلموا أن شرعيته لا تُستمد من الصناديق فقط بل تستمد من رجال جماعته .. سيكون معك سلاحاً أبيض وآخر ناري .. فليوفقك الله"
أخبرتهم أنني لست دقيقاً في التصويب وإن كنت أستطيع استخدام الأسلحة النارية ..
- " لا يهم .. أطلق النار وكفى .. هم جبناء وليسوا بأصحاب قضية ليقفوا في أماكنهم "
أخبرتهم أنني ما زلت في مقتبل الزواج وأخاف أن يحدث لي شيء لتشقى زوجتي من بعدي ..
" لا تخف .. فهم إن حملوا شيئاً لن يحملوا سوى تلك الألعاب النارية البلهاء التي لا تقتل ذبابة "
قال لي أحد الأصدقاء القدامى والذي لم أراه منذ عامين :
" أنت تتحول تدريجياً لتصير واحداً منهم بكل ما يحملوه من مساوئ ولَيّ للحقائق وتبرير للأخطاء "
ذلك الصديق الذي فَرَق بيني وبينه اختيارنا للمرشحين للرئاسة .. فكانت الأمور في المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية عبارة عن مناوشات كلامية من عَيّنة : " النهاردة بتأييد الشاطر بعدها بتأييد الأستبن بتاعه .. انتا خروف كده ليه ؟ " وكان ردي عليه دوماً : " يا عمّ روووح أنتا والناصري بتاعك ده .. أنا بأييد مشروع مهما كان اللي هينزل بييه " ، أما في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية فقد احتدت الأمور  بيننا لتصل للقطيعة والتي أنذرني قبل حدوثها  وطلب مني أن نتجنب الخلاف السياسي حفاظاً على صداقتنا ولكنني تماديت في الاختلاف ليصل إلى الخصومة ثم الخصام.
لماذا تَذكرته الآن ؟
لا أعلم .
صلّينا الجمعة أنا وباقي الأخوة في مسجدنا ثم اتجهنا إلى منزل بالقرب من المقر العام ووجدت في يدي العتاد اللازم ..  وجلسنا في انتظار اللحظة التي سنغادر فيها إلى موقع الإشتباك ..
لماذا أرى وجه صديقي عندما كان جالساً معي في (السايبر) الذي كنت أعمل به وأتابع منه أخبار النتائج في لجان انتخابات عام 2005 وكان يبتسم عندما كان يراني منهمكاً في هذا الأمر برغم أنني لم أكن يوماً منتسباً بشكل رسمي للجماعة بل كان إنتماء والدي لها هو السبب في وضعي هذا ؟
في تلك الأيام لم يحادثني عن تحفظاته على الجماعة التي كنت أعلمها وكان يُظهر تعاطفه معنا في وجه النظام المباركي وإن كانت توجهاته الليبرالية ظاهرة في الآفاق .
" حانت لحظة الصفر "
جهزنا المعدات وتوجهنا إلى محطة القطار حيث موقع الاشتباكات المتكررة بيننا وبين أعداء الرئيس.
وقفت مع من وقفوا وبدأنا في إطلاق النار عشوائياً على الواقفين ..
كانت السيطرة لنا في البداية مستغلين عنصر المفاجأة إلى أن قاموا هم بتنظيم أنفسهم وبادرونا بإطلاق الألعاب النارية وقليلاً من (الملوتوف) وبعض طلقات الخرطوش بدائية الصنع .. ولكن كانت لنا الغلبة .
كنت حتى هذه اللحظة أراقب الوضع ولم أطلق النار بتاتاً حتى أصابتني تلك الحجارة في وجهي  .. اللعنة ..
تباً لكم يا أعداء الشرعية  .
أمسكت السلاح الناري وحاولت التصويب على أول شخص قابلته عيني ..
ذلك الشاب الذي يماثلني في النحافة والذي يرتدي نظارة نظر وأطلقت عليه النار ..
لم أعلم ما هو محتوى الذخيرة التي أحملها وهو ما جعلني أجهل ما أصابه حين سقط أرضاً جراء أصابته بهذا الطَلق الناري .. وما هي إلا لحظات وقد رأيت من يحملونه ويخرجون به لخارج المحطة ..
تراجعت قليلاً للوراء ويدي تهتز مما فعلته فرآني أحد الأخوة قائلاً :
" الله ينوّر .. جبته أرض .. ما تقلقش  ..  أكيد ما متش بس أكيد هيحسبها مليون مرة  بعد كده لو فكّر ينزل قصادنا تاني .. وحتى لو مات أيه المشكلة .. أحنا بندافع عن مقرنا ، لو حد جالك البيت يهجم عليك هتعمل أيه ؟ تسيبه يقتلك ؟!! "
طمأنني حديثه ووجدت في كلامه الحق الذي يريحني وإن كنا على مسافة كبيرة من المقر ولكن من الممكن أن يكون محيط المقر هو مقصده .
تشجّعت أكثر فأكثر وصرت أطلق على الطرف الآخر النار بسخاء ..
الموت لأعداء الشرعية ..
الموت لهم .
**********************
إنه يوم الجمعة ..
تلك الطقوس المعتادة ..
اغتسال .. صلاة .. تظاهر ضد النظام الحالي  ..
ولكنها أول جمعة لي بعد خِطبتي ..
أسير في المسيرة الحاشدة إلى نقطة النهاية المُقررة وأشعر أن هناك أمراً ما سيحدث هناك .
دائماً ما يخرج على المتظاهرين هناك مؤيدي النظام بالسلاح وقد يتكرر الأمر مرة أخرى اليوم ..
مرهقٌ أجلس في ذلك المقهى الشهير في نقطة نهاية المسيرة وبجواري خطيبتي التي رفضت أن تتركني أذهب بمفردي إلى تلك المسيرة ..
أعاتبها على مجيئها لاستشعاري بالخطر عليها بينما هي تطمأنني .
أصوات إطلاق نار ..
الجميع يتجه إلى خارج المقهى بينما أنا أنظر إليها بغضب يحمل عبارة  : " ألم أقل لكِ ؟ "
أطلب منها الرحيل فوراً لكي أذهب لأرى ما هنالك بينما هي تُصر على أن تنتظرني في مكان آمن حتى أعود لها ..
" خد بالك من نفسك وأرجعلي سليم "
كانت تعلم أن طلبها يكاد يكون مستحيل فأنا أنسى كنهي في خضم الاشتباكات .
توجهتُ إلى محطة القطار مكان الاشتباك الدائر وسمعت دوي الطلقات يلوح من هناك وعبارات من عينة : ( خرطوش – بلي – حيّ – آلي)..
تقدمت إلى الداخل وأنا أرى أفراداً يتساقطون بجواري وصوت الطلقات يأتي من كل ناحية ..
وقفت وراء أحد الأعمدة العريضة ملتقطاً الأحجار المتناثرة حولي .. وببطء زحفت متقدماً لأرى بوضوح الطرف الآخر  الذي يطلق علينا النار ..
اتخذت موقعاً قريباً من أحد الأشخاص بما يكفي لإصابته وقذفته بحجارة مما أحملها ولكنها لم تصبه ، وما هي إلا لحظة إلا ورأيت أحداها تصيبه من شخص آخر قريب مني فوقفت للحظات أدقق في ملامح المُصاب من الجانب الآخر .
كما عهدته دوماً .. يماثلني في النحافة .. ملامحه قريبة من ملامحي حتى أن هناك من ظن يوماً أننا أخوة ..
توقف الزمن بي وتذكرت عندما كنت أهجر منزلي بعد مشاجراتي العديدة مع والدي وألجأ إليه في منزله للمبيت ..
أتذكر تلك السنوات التي ذاكرنا فيها على أنغام الأغاني الليلية التي تنبعث من ذلك الراديو الصغير ..
أتذكر إندماجه الشديد في تلك الجماعة التي كان منتمي لها بشكل ظاهرياً فقط ليصبح من المتعصبين لها في الفترة الأخيرة قبل إنتهاء علاقتي به ..
هل ستتذكرني يا صديقي وأنت تهم بإطلاق النار عليّ الآن ؟
هل ستتذكرني وأنا أسقط أمامك صريعاً ؟
هل ستتذكرني حينما ترى صوري في الصحف غداً ؟
أتمنى أن تتذكرني يا صديقي فقد اشتقت إليك ولم أتوقع أنك ستكون آخر من أراه في هذه الدنيا .

محمد العليمي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق